مقدمة امونودراما عن صراع العبقري مع النمط السائد
في الساعات الأولي من صباح يوم الاثنين 5ديسمبر عام 1791 مات ولفجانج أماديوس موتسارت أسلس وأغزر وأعمق وأخطر من كتب الموسيقى ـ أم المعارف والفنون ـ في أي زمان ومكان في سن الخامسة والثلاثين في أوج الشباب والقدرة والخصوبة … "مات" لأسباب لم تعرف بإقناع أبداً … و قد ولد التجاهل المتصاعد و العدوان المستتر الذي مارسته عليه سلطات الزمان: امبراطورية الهابسبورح، الظروف العجيبة التي أدت إلي إلقاء جثمانه في مقبرة جماعية مخصصة للفقراء و المشردين بحيث تختفي جثته إلى الأبد … وتضيع معها الأدلة .. وتضيع الإجابة ..
أو تتضح … ؟
وبعد أكثر من ثلاثين عاما من موت موتسارت منبوذا مهمشا معذباً اعترف أنطونيو سالييري أقوى رجل في عالم الموسيقى في عصره ـ بابا الموسيقى كما كان يسمى ـ أنه قتل موتسارت بالسم البطيء …
وانقسم الناس ما بين مصدق ومكذب لهذا الاعتراف الرهيب .. المكذبون يرون أنه مجرد تخاريف رجل مسن أوشك على الموت واختل عقله قرب النهاية ..
والمصدقون … ؟
وبعد الاعتراف الرهيب حاول سالييري الانتحار بذبح نفسه … ولم ينجح .. وانتهى مصير "أقوى" رجل في عالم الموسيقى ـ في فترة من أخطر فترات التطور الفكري والفني والعلمي والسياسي في التاريخ ـ إلى الإيداع نصف مذبوح في مستشفى فيينا للأمراض العقلية حتى مات …
… موسيقى سالييري التي هلل لها العالم والحكام والنقاد والخبراء والصحف والأساتذة .. ومن ورائهم الجمهور .. الموسيقى التي اعتبرت قمة القمم في عهدها وغمر صاحبها بالمال والسلطة والتكريم والألقاب والنياشين .. نسيت فور أن فقد صاحبها صحته وعقله ومركزه وفور أن تغير المناخ و"الموضة" .. وسحبت مكنسة التاريخ التي لا ترحم ـ سحبت هذه الأعمال والأقوال والإبداعات القمية في عصرها ـ إلى قمامة التاريخ … وصاحبها لم يزل حياً يحاول جاهداً تلميع نياشينه الرسمية وألقابه التي اعتلاها الصدأ ..
…………………………………
…………………………………
…………………………………
أما موتسارت .. فقد أصبح أسطورة !
بعد الفقر المدقع والموت و مع التجاهل شبه الكامل من السلطات، تحول موتسارت إلي الموسيقي الأشهر و الأكثر حبا بين البشر بحيث لم تعد تمر دقيقة واحدة علي العالم بدون أن يكون هناك عزف في مكان ما لمؤلف من مؤلفاته التي فتحت للبشرية أنماط جديدة للوعي و التفكير و الابداع و الاختراع و التفاعل