Wednesday, April 11, 2007

tragedy of a missed renaissance



الثورة التي لم تحدث

ما أكثر التعبيرات التى نستعملها أتوماتيكياً دون أن نتمعن فى معانيها وهذا من أخطر ما يصيب مجتمع حيث يجد نفسه بالتدريج غارقاً فى بحر من الأوهام و غسيل المخ و الأكاذيب متناقضاً مع نفسه ومع حقائق العالم الذى يعيش فيه دون أن يكون عنده أدنى أمل فى تشخيص الحالة أو علاجها. ولا يبقى أمامه تجاه المعضلات المتصاعدة التى تواجهه إزاء العالم المحيط به إلا أن يندفع فى حلزون الإتهام المتشنج للأخرين وللمؤامرات الخارجية وللأعداء "الخونة" فى الداخل والخارج .

نبدأ بتعريف الثورة الذى نأخذه أتوماتيكياً بطريقة عجيبة فعلاً متناقضاً تاماً مع الواقع.

الواقع يقول لنا أن ما نسميه بأوتوماتيكية كاملة "ثورتنا" الحديثة تقلص معها التمكين بشكل حاد. فبينما كان التمكين قبل "الثورة" منحصرا في أصحاب الأراضي و أصحاب الأموال و قلة من المثقفين و الطبقة الوسطي، وهذه الطبقة الوسطي الحيوية تتطور ببطء و لكن في ثقة و فعالية، و هو المجتمع الذي كان يسمي -إدانة و احتقارا- بمجتمع النصف في المائة رغم أنه علي مظالمه كان مجتمعا حيا به ديناميات تطور و تفاعل و ابداع، نجد أنه بعد "الثورة" تم سحب التمكين من أصحاب الأراضي و أصحاب رؤوس الأموال و تم تهميش الطبقة الوسطي و سحب التمكين من النقابات والجمعيات و الأحزاب و كافة مؤسسات المجتمع المدني لينتهي مجتمع "الثورة" إلي مجتمع الواحد في العشرين مليون (ناصر/ناصر/ناصر كلنا ناصر!!) و هذا التراجع إلي مجتمع الواحد في العشرين مليون، بدلا من أن يتطور مجتمع النصف في المائة إلي مجتمع العشرة في المائة ثم العشرين في المائة ثم مجتمع المشاركة للجميع.

وهكذا لو كانت هناك ثورة حقا . و لكن " الثورة" حولت مجتمع النصف في المائة إلي مجتمع النصف في المليون!!!!!

و قد يحسب "للثورة" انها حطمت أسس و عمد و قواعد مجتمع كان في الأغلب مجتمعا ظالما و لكنه كان كما هو واضح لأي دارس منصف مجتمعا متحركا ونابضا ضد الظلم و التخلف. و عند الهدم يلاحظ ان "الثورة" فشلت في التفرقة بين الجيد و المفيد من القواعد و العمد الموجودة و الضارو الفاسد منه فتم التحطيم و سحب التمكين من الكل و من كل شئ. في ظل أفكار و رؤي ساذجة و متناقضة لشباب من الضباط قد يكونوا مفعمين بالوطنية و لكن آفاقهم و تجاربهم و فهمهم للاقتصاد وللديناميات العالمية و لتاريخ و آليات المسيرة البشرية نحو العدل و الحرية لا يتعدي فهم أو وعي طلاب الثانوية العامة محدودي التفوق.

نحن نرى أن الثورة فى النهاية هى أحداث تؤدى إلى تغيير مؤثر فى نمط العلاقات الإجتماعية وعلاقات الإنتاج والعمل و في وعي الانسان بنفسه و بالآخر و بحقوقه بما يؤدى إلي توسيع متصاعد في دائرة التمكين والمشاركة فى صنع القرار. وقد تمر الثورات والتغييرات الجذرية بمراحل إنتقالية ضرورية تقوم فيها جبهة الريادة فى الثورة بسحب التمكين بصفة انتقالية مؤقتة من أجل حماية بذور التغيير من أصحاب المصلحة فى إحباط التغيير .

الثوار حقاً يحرصون على أن تكون الفترة الإنتقالية انتقالية مؤقته فعلاً وبكل دقة بحيث يجرى تسليم السلطات إلى القواعد الأوسع بطريقة مؤكدة ومتصاعدة، والذى يحدث إذا لم يتواجد الوعى والإيمان بالثورة والتصمميم، و إذا لم ينجح "الثوار" في الحفاظ علي مباديء ثورةالعدل و الحرية و التطور، فوق شهوة و اغراء السلطة، يحدث أن الفترات الإنتقالية تستمر إلى الأبد "وأن القوى العدوانية المتربصة بالثورة في الداخل و الخارج " تدعم بإستمرار فى وعى الحكام والناس بالحق أو بالباطل(يلاحظ ان هذه النظم لا بد لها من عدو خارجي و عدو داخلي تخترعه إختراعا إذا اقتضي الأمر)، بحيث تتحول الفترة الإنتقالية (حالة الطوارئ) إلى إزمان ليس خلفيته بحق الخطر الداخلي و الخارجي و لكن فيروس السلطة و شهوة السلطة. وبتدريج غير محسوس، يفيق الشعب المصاب، إذا أفاق، ليجد الثوار وقد تحولوا إلى الطغاه الجدد يتمسكون بمقاليد السلطة المطلقة و بكل ضراوة "السلطة من أجل السلطة" و ليس من أجل التطور أو التغيير . وتحدث الطامة الكبرى حين ينجح الطغاه الجدد "ثوار الأمس " فى نسج قوانين وتشريعات الفترات الإنتقالية الإستثنائية فى النسيج التشريعى للمجتمع وفى دستوره و هي الطعنة النجلاء الكفيلة بقتل الحراك و التطور و النماء الاجتماعي لأجيال..

ونظرة من بعيد إلى هذه المجتمعات تظهر بوضوح تقلص دائرة التمكين حتى لينتهى الوضع مع "ثورة الحرية" وقد أفقدت كل فئات الشعب ومؤسساته وهيئاته بل وسلطاته المقدسة عناصر التمكين وأصبحت كلها مجرد توابع لأوتوقراطية أوليجاركية تستحوذ على كل السلطات وتسيطر عليها بإسم الملايين المقهورة. وقد أصبحت الأوتوقراطية الاوليجاركية صاحبة مصلحة أصيلة فى أن تظل الملايين المقهورة مقهورة و مجهلة إلى الأبد!!

وتدافع الأوليجاركية الجديدة عن سلطاتها المطلقة و عن بقائها الأبدي بقسوة وشراسة تفوق أقسى ممارسات رأس المال المستغل والفاسد وممارسات أشد الإقطاعيين شراسة، والتاريخ أمامنا يحكى الحكاية المأساوية المرة تلو الأخرى .

و مع إزمان الفترة الانتقالية و الحرية المؤجلة ينضب المجتمع و تجف حيويته وتتحول الشعارات الثورية العظيمة مثل تكافؤ الفرص ومثل مشاركة الجماهير والعمال والفلاحين ومثل التعليم المجانى ومثل التحرر من الفقر والتبعية والسيطرة الخارجية والإستعمار إلى مجرد نكات أليمة من المضحكات المبكيات حيث تقود هذه النظم مجتمعاتها إلى تبعية وإعتمادية أسوأ من أقسى أيام الإستعمار ويتحول التعليم "المجانى" إلى أعلى أنواع التعليم تكلفة مع رداءة منحدرة فى القيمة والكفاءة والقدرة على تقديم مؤهلين مطلوبين قادرين وعارفين بلغة العالم المعاصر. وبالتالى فيتحول هذا التعليم المكلف إلى وسيلة لشغل العائلات والأجيال وإفراز حاملى شهادات بالآلاف يلقون بلا دفاع أو مهارات مطلوبة أو فرص إلى سوق العمل أو بالأصح إلى سوق البطالة.

وأود في مقال قريب أن أقدم تحليل موازى -في دراسة عن غسيل المخ علي مستوي قومي- لمعنى العروبة والقومية العربية التى أخذناها من أعلي ورددناها أيضاً بأوتوماتيكية كاملة دون التمعن فى معناها ولا فى الأسس ولا الآليات التى تمكننا من تحقيقها.

أرى أن الكوارث التى قادنا إليها غياب التحليل المتمعن لمعانى الشعارات وآليات تطبيقها أصبحت تنادينا بإعادة النظر جذرياً فى تاريخنا المعاصر وأصبحت تنادينا بتحليل هادئ علمى لشعارات و مقولات تكاد تخنقنا خنقاً ومن أهم ما نحتاجه فى هذه اللحظة هو دستور جديد ومناخ تشريعى ثورى حقاً يضع القيم الإنسانية وقيم الحرية والعدل فوق كل الإعتبارات الأخرى، ويربط بين هذه القيم وآليات تطبيقها والدفاع عنها فى الدولة الحديثة، آخذين فى الإعتبار ما وصلت إليه البشرية فى مشوارها الطويل نحو التطور الفكرى والإجتماعى والدينى والسياسى. ونكرر أنه لا معنى للعدل بدون آليات تحميه ولا معنى لمفهوم المواطنة دون آليات تحمى حقوق المواطن الأساسية وتؤكد الأرضية لنمو و ممارسة مفاهيم مثل الحيادية والفصل بين السلطات وتداول السلطة بناء على إرادة قاعدية مستقلة لا سبيل إلى تزويرها أو التلاعب بارادتها الحرة أو بحقها في المعلومات و المعرفة.

هنا فقط إذا حققنا ما تقدم نستطيع أن نقول أن مصر مرت بحركة نهضة وثورة حقيقة وعادت بطريقة طبيعية إلى تقديم مثال جديد ومتفوق يحتذى به إلى الأمم العربية والإسلامية وأمم الشرق الأوسط . و بدون هذه البديهيات فكل الادعاءات بحدوث ثورة"مجيدة" هو من قبل تدعيم الأوهام التي تؤخر التطور! و لا بد من التفرقة المفاهيمية الواضحة بين هجوم تحطيمي لتحطيم و تمزيق عمد و أواصر و أسس مجتمع (ظالم) وهذا ليس بثورة و لكن أقرب إلي معركة حربية أو حملة تأديبية يتم فيها تحطيم و تطويع و اخضاع كافة عناصر و قوي المجتمع وهو حدث مجتمعي ضخم، و لكنه أبعد ما يكون عن الثورة و ما يواكبها بالضرورة من تحرك نشط نحو النهضة التي تتطلب عملية زرع و رعاية و تنمية مجتمع جديد متحرر آمن و منتج أقرب إلي العدالة مطمئن إلي قدسية القانون و آليات حماية الحقوق، تتسع فيه طبعا دوائر التمكين لتشمل الجميع و هذه هي الثورة –التي لم تحدث!

و بكل بساطة نجد ثورة 23يوليو 1952 في مصر هي بكل مأساوية "ثورة مخطوفة" لم يتح لها ديناميات التطور إلا أقل من سنتين فقط (تم خطفها في مارس 1954)!

والآن بعد تراكم النكسات -التي لا تلغي آثارها المدمرة بعض الانتصارات المبكرة- أصبح علي الشعب و ممثليه الطبيعيين تسلم مقاليد القيادة و تصعيد أهل الحكمة و العدالة وقد تكاثرت الكوارث و النكسات و تعاظم الفساد. وأقترح أن يتقدم تجمع من كافة القوي الشعب بقرار حكيم يشمل العفو الكامل و العام عن كل رموز و عناصر "الثورة" المخطوفة و التأمين الكامل لهم ضد المحاكمة أو الادانة فيكفي الشعب و التاريخ ما نحن فيه من إدانة عالمية عملية ألا وهي الفشل الذريع في دخول مصر عصر النهضة و المشاركة والريادة والعدل الاجتماعي، والحكمة تقتضي أن نحرر أقطاب النظام الفاشل و الفاسد من خوف بل رعب المساءلة الحيادية، و هو الرعب الذي يجعلهم يتمسكون رغم تصاعد الفشل بالسلطة بجنون و هستيرية حتي و لو أدي ذلك التمسك المتشنج إلي غرق سفينة الوطن بأسرها! إن دخول الوطن عصر التهضة بقوة، أهم بكثير من تعقب فئات الجناة الذين انغمسوا في غسيل المخ وجمدوا حراك الوطن و تطوره وتعاموا عامديم متعمدين عن كل القيم من أجل السلطة و التميز.

قوة دفع النهضة حين يتاح لها التحرك بلا عوائق كفيلة وحدها بتصحيح السلوكيات المنحرفة و بخلق المناخ الذي يفرض الشفافية و المسئولية و المساءلة المفقودة و كلها عناصر أساسية للنهضة إن نجحت عناصر الحكمة في المجتمع في توليدها. و لا تشمل عناصر النهضة التنكيل أو الانتقام أو إدانة من سبق و ما سبق بل الاستفادة فقط من دروس السلبيات و الترديات لكي نحمي آليات عدم التكرار

ببساطة الثورة هي توسيع دوائر التمكين و تغير كيفي عميق في وعي الناس وفي ممارسة العلاقات الانسانية الحساسة(حاكم/محكوم،معلم/متعلم، ضعيف/قوي، غني/فقير ، جيل سابق/ جيل جديد، متدين/غير متدين، رجل/إمرأة....إلخ) لتتحول جميعا إلي علاقات تفاعلية تحترم كاملا حقوق كل أطرافها في الكينونة و التطور الحر بدلا من علاقات القسرو القهر و الاذعان التي تسود في الجيوش و في المجتمعات القهرية. و علي الشعوب التي ذاقت مرارة سحب التمكين ألا تفرط من جديد في حقوقها أبدا مهما كانت الشعارات و المبررات – الخادعة دائما

دكتور طارق علي حسن

أستاذ متفرغ الأمراض الباطنة و الغدد بجامعة الأزهر

tali@idsc.net.eg

Wednesday, April 04, 2007

Death of spontaneity,the matrix reloaded, a poem

Death of spontaneity
lamentations for lost childhood
the matrix loaded

o father o mother
the thing is me
o sister o brother
the thing is me
o woman o man o sea
the thing is me
o sun o stars o world
the thing is me
I carry the secret can’t you see?
The most precious secret
Its is within you and me
P R O V E I T ! get it approved and certified
and when I moved to prove
I died
and lied


and you HEARD AND BELIEVED ME AT LAST !


but I cried..
frozen tears..
for I was no more
but was an actor ..
I had to cheat, imitate and pretend
for I moved no more

but thought I moved..
I indulged in elaborate action
simulating movement artifice and art
I acted victory and glory with all my might
with great success

lucky.. wretched.. man
that can weave a world of lies
and think it true!
Through and through
and prove it true! Mathematically,electronically, authoritatively
Without a shadow of doubt

and someone else throbbed and danced
o father o mother
the thing is me
o sister o brother
the thing is me and you
the truth is here
the truth is now
the truth is near and far
within this soft, wonderful and vulnerable thing

t'is in my throbbing heart and pulsating brain and yours
AND YOU INSISTED...

P R O V E I T F I R S T !
WE DEMAND APPROVAL, CERTIFICATION!

one plus one equals two one plus two equals three
three plus three equals seven
one minus one equals nothing
nothing nothing nothing equals infinity

How to unload the MATRIX?

Monday, April 02, 2007

حيرتي الكبيرة مع الأستاذ محمد حسنين هيكل

عن الأستاذ/ محمد حسنين هيكل

أجدها مناسبة لتقديم الشكر والتقدير للأستاذ هيكل على تقديمه لكتبه ووثائقه ومستنداته إلى نقابة الصحفيين كنواة لمؤسسة تجعل من كل هذه الوثائق والمستندات والمراجع مكتبة فريدة في متناول الدارسين في مصر ومن كل مكان.

وأقدر في الأستاذ هيكل ذكائه الحاد ولكن أقدر أكثر نظرته الكونية الشاملة للتاريخ، وهي نظرة مطلوبة وإن كانت للأسف شديدة الندرة، كما أنه بحكم مراكزه وقربه من مركز الأحداث ومراكز صنع القرار في فترة من أخطر الفترات التي مرت بها مصر يحوز ويصل إلى وثائق ومراجع حجبت عن الشعب المصري وعن الدراس المصري العربي فترة سيطرة الشمولية على العالم العربي بعقليتها المانعة لتداول المعرفة ولانتقال المعلومات و للوعي بأهمية الأمانة العلمية و التاريخية.

ويشوب هذا الإعجاب والتقدير للأستاذ هيكل، افتقادي فيما يقدمه من كتابات رائعة، لإختراق العالم الذي يضع البحث عن الحقيقة فوق كل شيء. وأجد بصفة متكررة أن علمه وعطائه الغزير يسقط بصفة مزمنة في فخ التبرير لعبد الناصر وعهده، وما صاحب هذا العهد من أخطاء وخطايا وانكسارات لا تلقى في مصر التشخيص العميق المنتظر والمطلوب رغم أن ما تورط فيه هذا العهد من أخطاء أدي إلي كوارث كانت قمتها المنطقية انهيار 1967 العسكري والسياسي والفكري والقيمي، ولا عجب فقد كان الأستاذ هيكل شريكاً أساسياً في هذا العهد ومبرراً ومفلسفاً له بنجاحاته الكبيرة وبثقافاته الكبيرة أيضاً وهو شريك في الإنجازات مثلما هو شريك في الترديات و النكسات.

وهذه المنظور التبريري المزمن والذي أجده بصفة مستمرة كخلفية دائمة في كتابات الأستاذ هيكل و أحاديثه الطلية الشيقة، يمثل نقاط لا رؤيا مزمنة (Blind Spots) تسحب منه صفة العالم المخترق وصفة عالم التاريخ التي هو أهل لها إن اراد وهي صفات يستحقها بذكائه الفريد وبحوزته لمستندات التاريخ المخفية أو السرية في مصر أو في دول الهيمنة، وتتركه هذه الحالة التبريرية بكل أسف في خانة الكاتب السياسي والصحفي بالغ التشويق والإثارة بديع الأسلوب منشغلا دائما بالتبرير و الدفاع عن عبد الناصرالذي لا يخطئ.

وسأكون أسعد الناس إذا استيقظت يوماً لأجد محمد حسنين هيكل اخترق حاجز التبرير إلى رحابة النقد العلمي العميق والجاد لمرحلة شارك في تكوينها وأحداثها، وهو مطلب لا شك شديد الصعوبة ويكاد يكون مضاد للطبيعة الإنسانية، ولكن أملي يستمر في أن الأستاذ هيكل بإنجازاته الكبرى قد يخترق هذا الحاجزونجده عالماً أكبر من الانحياز قادراً على انتقاد موضوعي وتحليل نقدي لجمال عبد الناصر وللفترة الناصرية.

ونفس هذا الحاجز المخل نجده يفرض الشلل على الفكر في مجالات اليسار المصري التقدمي والأحزاب الشيوعية المصرية وعلى القيادات الفكرية والسياسية للتيارات التقدمية ويشمل السقوط في فخ العبادة والعشق "للزعيم المحرر المنتظر باعث النهضة" وهو عشق بدأ الروس يشفون أنفسهم منه فيما يختص بستالين البطل نصف الإله، وهو أيضاً عشق شفي منه الألمان إلى حد كبير فيما يختص بهتلر البطل المعبود. وحتى الفرنسيون بدأوا في رحلة الشفاء فيما يختص بعشق نابليون البطل المبعود، وحتى الانجليز مؤخراً بدءوا وبكثير من الصعوبة رحلة الشفاء من عشق وعبادة تشرشل البطل المعبود.

والحقيقية الحيوية أن وعي الشعوب لا ينضج ولا يتحرك حتى يستوعب التاريخ بحيادية تحليلية ناقدة، وهو ما لا يتم إلا إذا نجح المجتمع بقيادة مفكريه و مؤرخيه في أن يتخطى حالة التجمد في عبادة وعشق البطل المعبود. وهو ما لم نفعله حتى الآن في مصر والدول العربية، وكان يجدر أن يساعدنا عليه أمثال الأستاذ هيكل والأحزاب التقدمية المؤمنة بالشعوب وحق الشعوب في الحركة والتقدم والمفترض أنهم حاملي لواء النهضة الحديثة ، وحق الشعوب في الحرية والتقدم والانطلاق.

وفي رأيي أن فشل التقدميين وفشل الليبراليين وحاملي لواء الحداثة والتطور في مصر في التحليل النقدي لتاريخنا لمعاصر ، وفي تحليل الفترة الناصرية والحكم العسكري بعمق كاف وبموضوعية علمية مخترقة، أدى إلى حالة من الجفاف والإفلاس والفقر الفكري، حتى لقد انتقل حلم الشعوب في التغيير من أيادي وعقول هؤلاء التقدميين المحبوسين في العشق والعبادة لعصر ترزح الشعوب تحت آثار مصائبه وكوارثه وأخطائه وهزائمه وفساده، إلى أصحاب الفكر الجامد المضاد في مجموعات السلفيين وفي اليمين صاحب الفكر الجامد المضاد للتغيير "ومحدش أحسن من حد" : ولسان الحال يقول إذا كان التقدميين ورواد التغيير تجمدوا في عبادة وعشق الحاكم المطلق الفرد البشري الخطاء فلماذا لا نندفع إلى السلفية ونمارس عشق المرسل المنزه العادل المحمي من الخطأ. لماذا نعشق ونعبد وننحني للبشر الخطائين ولنا من باب أولى أن نعشق ونعبد وننحنى للمقدس المنزل المنزه؟

طارق علي حسن

من حوار الفلاح الذكي مع الحكام الجدد

تسالي

حوارات كوميدية للمصري الحصيف مع حكام مابعد أربعة وخمسين (مقتل أوزوريس)

دا أنا غلباااااااااااااااان مع الشكر والإعتذار لعادل إمام.

العلاقة الثنائية بين الحاكم والمحكوم بدون وجود قوة ثالثة فعالة حكم على التعليم باللافعالية وبالفشل كعملية تنمية ونماء وحكم علي كل آليات المجتمع الصحي من عدل وإعلام وبحث علمي وإنتاج وحرية ونقد وتعبير، بالتعثر والقصور... وليس غريباً في ظل هذه العلاقة الثنائية أن يرى المسئولون في زيادة النسل وارتفاع التعداد السكاني، مجرد تهديد متصاعد وغير مقبول وشماعة أخرى تعلق عليها ظواهر الفشل والإحباط المتصاعد والذي له في الواقع أسباب أخرى بالمرة .. فلا يعقل أن نهتف عمرنا كله بالوحدة الخالدة للعرب ولوادي النيل والثروة البشرية الهائلة محبوسة في شريط ضيق بمصر في وادي النيل الشمالي بينما ملايين الأفدنة من أخصب أراضي العالم لا تزرع ولا تنتج ولا وصال علمي مع ثرواتها الطبيعية الهائلة ولا نستطيع تخطي العراقيل في طريق تحويل هذه الامكانات إلي واقع مؤثر وكيف ولم نطور قنوات وصال علمي مع الثروات البشرية أصلا ونحن مكرسون لخدمة الأبطال لا لتنمية البشر.

وليس في خاطر التراكيب الاجتماعية السياسية الثنائية هذه إمكانية أن ينشأ المواطن حراً قوياً جريئاً مبدعاً مؤثراً مشاركاً ... مستقلاً ... فاتحا لمجالات جديدة ومبدعة لإعالة نفسه وعياله ولرقي وتقدم مجتمعه.

ويمكن تلخيص العقد الجديد في العلاقة المعاصرة بين الحاكم والمحكوم في الدول المصابة التي تنطبق عليها الأنماط المذكورة أعلاه من خلال الحوار التالي :

-- سأكون مسئولاً عن أكلك وشربك ما رأيك ؟؟

- ربنا يخليك يا بيه ... ياي ده يبقى فضل كبير قوي ...

- وانا كمان هعالجك

- فضل كبير يا بيه .. أكبر وأكبر

- وأنا كمان هوظفك وهاعملك ماهية ثابتة علشان أنا بحبك وعايزك تبقى أفندي كده محترم وقاعد في مكتب ومحترم ... أنا عايزك تشرفني لما يجوني الخواجات الأجانب يزوروني ... دانت كنت بتفضحنا لما تظهر قدام الناس المحترمة اللي من بلاد بره وانت مزيت ولا مغبر ولا مطين وأعوذ بالله سعات كمان حافي وعرقان ومع البهايم والحيوانات المنحطة

- وسعات كمان حافي وعريان ومطين وانت بتزرع قال رز ولا قمح ولا برسيم ولا بتقوى جسور النيل من الفيضان إنت لسة معرفتش إن الكانتالوب و الفراولة أحسن يا متخلف؟ .. كنت فاضحنا ومحقرنا في عيون الخواجات الناس الحلوة الذوق النضيفة المتقدمة اللي بتدينا فلوس وسلاح .. كان خلاص .. بسببك .. عرفونا اننا متأخرين وهمجيين ومش متمدينين زيهم .. يا فضيحتك ده حتي بلغني إنك كنت بتولع الفرن بالجلة وفضلات البهايم ووفضلات المحاصيل.. ولزومه إيه القرف والطين والهمجية دي .. إنت ما سمعتش عن البوتاجاز والكهرباء والأتوماتيكي... إيه يعني لزوم الرز والقمح والفضلات والزبالة والطمي والطين والقرف .. كل ده اشتريهولك من حر مالي .. مال الدولة العظمى اللي هاعملهالك.. والفضلات والزبالة ابقى ارميها في أكياس بلاستيك زى الخواجات المحترمين .. أوعي تاني تدخل بيتك زبالة ولا بط ووز وفراخ وحيوانات وبلاوي تجيب المرض

- لا والله يا سعادة الباشا محصلش.. وعمره ما هيحصل ما دام سعادتك موجود ..

- والفيضان كمان هوأقفهولك .. ولا طين ولا طمي ولا وساخة وقرف من بتوع الفلح بتاع زمان .. تأخر ايه ده، إن الإنسان يبقى تحت رحمة الطبيعة والطمي والطين .. والزراعة دي علامة الدول المتأخرة ... المتخلفة .. فاهم ... الاستعمار كان بيدرس في المدارس إن مصر دولة زراعية معتمدة على النيل وفيضانه .. ده كذب وتأخر .. فاهم ؟؟ النيل سبب التأخر هسدوهولك! الصناعة الثقيلة هى سر قوة الأمم ـ هاعملك مصانع من غير عدد هاملالك العاصمة مصانع واشغلك في المصانع ! أنا عايز البلد كلها تبقى مصانع والفلاحين يبطلوا وساخة وقرف وطمي وطين ويبقوا عمال زي الورد يهتفوا باسمي وإسم الدولة العظمي اللي هاعملهالك فاهم ؟

-- طبعاً فاهم يا سعادة البيه كل اللي تقول عليه صح يا سعادة البيه .. (ما دام راكب وفي ايدك العصاية اللي هيه كل اللي تقول عليه صح .. (جانبيا) بس لو أخدت سؤالات فلاحين مصر كلاتها مفيش فلاح واحد في البر حيوافق علي قطع الفيضان والطمي ولا فلاح واحد هيوافق.. ده عند الفلاح قطع دراعه أرحم .. ده الفيضان والطمي والطين سر الأرض وسر الحياة ده سرنا ومعلمنا وحبنا .. إعملنا خزانات بس شرط مل تقطعش علينا الطمي حلفتك بالله إبني خزانات و سدود زي مانتو عاوزين جنابك بس ما تقطعش علينا الطمي .. لكن تقول إيه الريس دايما صح .. اللي راكب مية المية صح..دايما صح .. والزمن علمني ماكحش مع اللي راكب وفي ايده العصاية العصاية اللي هيه للي لسه ما يعرفش .. من غير إحم ولا دستور .. من غير ليه .. عندنا صاحب العصاية اللي هيه لما يغضب على حد ما فيهاش ليه : فيها قطع العيش ووقف الحال ووقف النمو .. ده إذا كان حظه حلو وأمه داعيا له .. أما إذا ما كانش أمه داعياله .. ممكن يروح ورا الشمس .. كام يوم كام شهر كام سنة ويمكن العمر كله .. العلم عند الله سبحانه وتعالى .. الظلم عندنا كده زي إرادة الله !! .. قدر ومالوش تغيير ولا تبديل .. من الفرعون للهكسوس لليونان للرومان للتركمان للشركس للأتراك للفرنسيس للإنجليز للألمان .."مكتوب علي الجبين".

(جانبيا) وممكن يعني يشوفولك تهمة .. جريمة يعني .. تتاوي مع المجرمين .. تأبيدة مخدرات في اللومان ليه لأ .. انت تفتكر حد عندنا يتحدى الحكومة ويطلع سليم ؟؟ بني آدم عندنا ضعيف ولو حطوا مخهم يشوفولوا مصيبة مش هيعدموا ولا يحتاروا .. مش عادل إمام بيقول "ده أنا غلبااااااان"

السطان عندنا يتقاله حاضر وبس .. أبدعت وبس ..

وحتى السلطان عندنا لما يحب "تطلع في مخه يعني" يبقى ديمقراطي زي الخواجات .. أو الخواجات يضغطوا عليه يبقى ديمقراطي زيهم لسبب في نفسهم .. يقوم يجيب مجموعة، يا عيني مننا، من الرعايا يعني، ويأمرنا عايزين معارضة ! إعملوا معارضة.. نعارض .. بطلوا .. نبطل ..

هاوهاوا على كيفكم هنا وهنا واوعى حد يهزر أو يعارض أو يهوب هنا أو هنا، أقطع رقبته .. فاهمين؟؟

فاهمين يا بيه يا باشا طبعاً فاهمين .. داحنا الزمن علمنا نفهمها وهي طايرة وناكلها وهية والعة!! الإنسان عندنا لازم يفهمها وهي طايرة.. النفر منا لازم يا باش باشا يتعلم يتصرف زي الصاروخ لجل يعيش ويحافظ علي رقبته.. وإلا ناله غضب السلطة .. وغضب السلطة عندنا واعر قوي قوي ومالوش حل ...

- الزراعة والفلاحة دي ذل مفروض على الدول المتأخرة .. ملكش دعوة سيب ليه كل حاجة وأنا أنضفك، وهأكلك وأشربك وأمنجهك وحاعملك دولة عظمي

- إنت مش فاهم حاجة علشان جاهل .. معلش بكرة هتفهم وتشكر ...

- أمرك يا سعادة الباشا .. بفضلك خلاص مفيش زيت ولا طين ولا عرق ولا وساخة هنقعد كلنا في المكاتب في البندر لابسين نظيف من غير تراب ولا طين ولا عرق ولا وساخة .. أعوذ بالله .. وهنبقى متمدينين ونظاف وكلنا بفضلك هناخد الشهادات الكبيرة قوى اللي تقول عليها سعادتك بنسب مية في المية وهتخترعولنا نسبة جديدة أعلي كمان من مية في المية.. وكلنا هنستوظف بفضلك ومش هنعمل أيتها حاجة وحشة ما تعجبش المقام بتاع سعادتك .. اسم الله على مقامك .. وانت هتعملنا دولة عظمى وتهزم لنا كل الأعادي والأشرار ...

- طبعاً

- ربنا يخليك يا سعادة الباشا

- خلاص عهد الظلام والظلم راح وشقشق عهد الحرية

- ربنا يباركلنا فيك يا بيه يعيش سعادة الباشا البيه الزعيم حبيب الملايين..

- بس انت ما لكش دعوة بأيتها حاجة ...

- اللي تشوفه يا سعادة البيه

- تديني تفويض كامل .. آه كامل .. فاهم ؟؟ انت مالكش دعوة بأيتها حاجة

- كل اللي تشوفه صح يا سعادة البيه

- أنا محبش المقاوحة .. فاهم ؟؟

- استغفر الله واحد زي يقاوح مع واحد زيك إزاي يا سعادة الباشا .. هي العين تعلي على الحاجب؟؟!!

واستمرت الحكاية..

و كان أن أدي الفلاح الحصيف إلي تسليم قيادة البلاد والعباد إلي "الحاجب" في غياب "العين" المنشغلة والمنهمكة في إستعذاب تصغير النفس وإنكار الذات والذوبان خوفا وحبا وطمعا في "الحاجب" المؤله! وكان ما كان مما يثير العجب في كل زمان.. هية العين تعلي علي الحاجب؟

و لا زلنا في طريق الآلام حتي يقتنعنا الإعلام المخلص الهمام وتقنعنا صروف الزمان أن العين فوق الحاجب وأن الحاجب خادم العين وأن البصر والبصيرة وصالح الأمة فوق "الحاجب". وأن الفلاح الزارع المنتج المتوازن مع الطبيعة والحياة هو المفتاح و أن أصغر مواطن فوق الحكومة وسيدها ورائدها!!


حوارات الفلاح الفصيح ـ الجزء الثاني

وكان أن جاءت سنة 80 ،

وكان الناس المخلصين يمارسوا مع الحكومة والزعيم شروط الاستسلام الكامل والتسليم

حسب الاتفاق القديم من أيام أربعة و خمسين

وسعدت الحكومة أيما سعادة، والزعيم.

وتحول الجميع إلى أفنديات وموظفين، يمشوا جنب الحيط كؤدبين و كويسين، وانخفض الإنتاج إلى أسفل سافلين، ولما تكاثرت على الدولة الديون، حتى بغلت الحلقوم، كان أن انهالت الهزائم الخارجية والمصائب حتى ضاعت القدس والجولان وما تبقى من فلسطين.

وفجأة تملص الأسياد وأصحاب السلطة والسلطان من العهد والوعود.

- خلاص أنا هاخلع إيدي من كل حاجة.

- لا لا يا سعادة الباشا .. حرام

بعد ما علمتني أننا أسلم وأستسلم وأمشي جنب الحيط .. تسيبني كده .. حرام يا سعادة البيه .. مش كان العهد إني أسلم واستسلم ، وإنك هاتأكلني وتشربني وتعلمني وتوظفني وتجوزني .. وتعملي الدولة العظمى ، وتحرر القدس ؟

- لا لا لا .. كل ده خلاص .. لاهاوظفك .. ولا اشربك .. ولا أكلك .. ولا أعلمك .. كل ده خلاص .. إتصرف .. أصلك ما بتنتجش ، وما ما بتبدعش .. خرجت من التعليم جاهل .. اديتك بكالوريوس وماجستير بالآلاف وبرضه جاهل .. ودكتوراه وبرضه جاهل .. ما بتنتجش حاجة غير عيال .. أعمللك إيه ؟ خلاص خلاص العهد انتهى .. مفيش حل خلاص .. مش عارف أوكلك انت وعيالك .. ومفيش حل غير إني أبيع البلد للأجانب الحلويين الأغنياء علشان أسدد الديون .. وكل ده علشان أوكلك انت وعيالك يا متخلف.

- ما أنا كنت باوكل نفسي وبوكل عيالي قبل ما أسلم لك كل حاجة، وأمشي جنب الحيط .. علشان خطرك ومن حبي فيك سلمت لك كل حاجة .. وادي أخرتها ؟

- الله الله .. انت هاتبجح والا إيه؟ .. انت عايز تروح ورا الشمس والا إيه ؟ احنا يا عببيط في عصر الاقتصاد الحر وديناميات السوق.

- ديناميات إيه .. أنا أعرف سوق الخضار وسوق السمك .. قصدك كده يا سعادة البيه ؟

- اسكت .. انت هاتقاوح معايا يا جاهل ؟

- بعد خمسين سنة من الاستسلام تسيبني كده جعان؟ بعد ما عيشتني التسليم والتعليم الفاسد في كل مكان .. والتخويف والإرهاب كمان .. بعد كده تسيبني .. مش حرام ؟ والله حرام وأنا طول عمري باحب الحكام أقدم لهم كل الاستسلام.

- إنت في الأكل منشار .. ولا بتنتجش غير عيال .. وعايز تاكل تاكل تاكل .. وعوايدك في الأكل مهببة وضياع وفساد واهدار .. علشان أأكلك لازم أبيع البلد للأجانب الحلويين الأغنياء المنظمين ودول مش عايزينك وانت غير مطلوب. الجاهلين اللي زيك مش مطلوبين في العالم الجديد؟

- ماجستير ودكتوراه وتقول جاهل ومش مطلوب كمان .. ده لغز والا إيه يا بيه ؟

- ما هو جاتك مصيبة لو ما تتعلمش وتتحرر علشان تتحرك مش هتلاقي مكان في العالم الجديد .. وتظل غريب في بلادك ومش هاعرف أعمل لك حاجة .. بس ممكن تتحرك "كده وكده" .. تمثيل يعني أمام الخواجات .. ولو أخذت الحكاية جد وتحررت حقيقي ولا تعلمت حقيقي أو كانت لك إرادة بحق و حقيق .. أسحقك وأوديك ورا الشمس .. انت فاكرني هفية والا إيه ؟ إنت مش عارف الحكومة ؟

- لا لا يا بيه .. عارف كويس قوي يا سعادة الباشا .. هي العين تعلى عن الحاجب ؟

- آه آه آه آه آه آه آه آه آه آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه


The Beetles "we all live in a yellow submarine"

الحياة في الثقب الأسود

المجتمع المقلوب عندما ينفلب كل شئ إلي عكسه

عتدما تتلاحق و تتابع إنهيارات المنظومات الطبيعية و تتراكم، تأتي لحظة حرجة ويتحول كل شئ إلي عكسه حتي المادة تتحول إلي عكسها، ينقلب الوجود و الواقع إلي ثقب أسود رهيب يتكون و يكبر يجذب كل شيء يدفعه سوء الحظ إلي مجاله جذبا رهيبا سرمديا بلا فكاك أو خروج و في الداخل كل شيء معكوس كل شيء صورة من نفسه دون ان يكون نفسه. و كل ما يحدث في هذا العالم المقلوب معزول عن التواصل و التأثير في العالم الحقيقي بينما "المحابيس" يعتقدون بكل إخلاص أن درامياتهم المحبوسة و أقصاها "زوابع في فنجان" تؤثر في العالم "الحر" و تحركه.المحبيس في الثقب الأسود يقنعهم "أمرائهم" و قياداتهم أنهم في طريق النهضة و يحتفلون بالنجاحات الهائلة و بالخطة الخمسية الثالثةو الرابعة و الألف و هم "محلك سر في الثقب الأسود .. هل هكذا ثورات التحرير التي تحولت إلي ديكتاتوريات عسكرية سافرة أو مستترة في عالمنا المقلوب؟ و هل هكذا حركات النهضة الاسلامية السلفية في عالمنا المقلوب التي تكافح لغصب المجتمع علي العودة ألف وربعمائة عام إلي الوراء إلي تاريخ لا يعرفون عنه أدني الحقائق إلا أحلام غير حقيقية بعيدة تماما عن الواقع ؟؟

علي هامش سقوط بغداد و سقوط أشياء كثيرة في تاريخنا المعاصر

تتداعى إلى الذاكرة في هذه الأيام السوداء من أبريل 2003 أيام سوداء مثلها أو أمر في يونيو 1967 وينبثق في الوعي بالنسبة لجيل مثل جيلي عاش الإنكسار تلو الإنكسار وأغُرق في الأكاذيب بلا حدود وبلا خجل، أن الديكتاتورية وحكم الفرد بكل تنويعاته هو في الواقع تعجيز وشل لقدرات الشعوب والجيوش معاً حتى وإن كانت هذه الديكتاتوريات ديكتاتوريات عسكرية تحظى الجيوش فيها بنصيب الأسد من الدخل القومي وبكل أنواع التميز التي تجعل المواطن العادي مواطن من الدرجة الثانية بالنسبة لأفرادها المحظوظين ، وقد يتبادر إلى الذهن أن هذه الجيوش بالتالي هي جيوش جبارة تبز وتتفوق على كل ما عداها من جيوش ، ولكن الأداء والتاريخ أثبت بما لا يدع مجال للشك أن الجيوش التي تتحور وظيفتها لتصبح آداه من أدوات الحكم وآداه من أدوات السلطة تفقد بطرقة تكاد تكون غير محسوسة قدراتها القتالية.

وقد غذونا حتى الثمالة بالجيش العراقي الجرار وبقدراته الفذة وبالمستويات الخطيرة من فرقه ارتفاعاً من الجيش العادي إلى ما سمي الحرس الجمهوري ثم الحرس الجمهوري الخاص والفرق الفدائية الخاصة حتى وكأنه انطلت هذه التغذية الكاذبة على الغرب المتحفز للعدوان على العالم العربي والإسلامي وعلى العراق أو لعله ساير هذه الدعايات الكاذبة من أجل أن يضخم في انتصاراته وأن يبرر لنفسه ولأجهزته الجهنمية العدوان الوحشي بآلات الدمار الشامل على الضحية المختارة من عالم العرب والمسلمين المبتلى بتنويعات من الحكومات الأتوقراطية وتنويعات حكم الفرد

وتناسينا مرة أخرى تفاؤلاً وحباً في العراق الشقيق أن الجيوش في هذه النظم والتراكيب المأساوية بأسها على الداخل وأن أجهزة الأمن والمخابرات والبحث فيها موجهه إلى الداخل وأنها إن كانت تعرف كل شئ عن المواطن الغلبان فهي لا تعرف أي شئ مفيد عن العدو الأمريكي أو الإسرائيلي.

وقد بلغ ما تعرض له جيلي وأجيال بعدي من غسيل مخ أننا تابعنا الأحداث السوداء في مارس وأبريل2003 غير مصدقين لما يحدث وكلنا متناسين ما تفعله الديكتاتورية بالشعوب والجيوش ولم نكن نصدق ما يجري وكنا نقول في حكمة العارف ببواطن الأمور أن كل ما يحدث هو خدعة من الجيش العراقي الجبار الذي طالما أخبرونا عنه ، وأنه يستدرج القوات الأمريكية والبريطانية الغازية إلى بغداد ليفاجئها بقواته الجبارة ويقضي عليها ويمزقها شر تمزيق بالأجهزة والأسلحة والأدوات المناسبة التي حضر نفسه لها عبر ما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً من الحصار والعدوان والتربص المعلن و المستتر.

أين كانت الأجهزة والاستخبارات والمخططين والعسكرين من هذا التخطيط العدواني الرهيب الذي كان من الواضح لأي ساذج أن أمريكا تجهزه للعراق.

وتتداعى إلى الذاكرة وأنا أستمع إلى وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف الذي كسبنا بقدر من خفة الدم و الأكاذيب التي يبلغ من عظمتها ان تكون مسلية جدا مضحكة مبكية في آن واحد. ورغم البعد الزمني و الألم العميق لهذه االأحداث المأساوية الظالمة. ألاحظ أن الذي يتداعى إلي الوعي الحزين هو التطابق شبه التام مع البلاغات العسكرية المتتالية لهذه الأيام المشئومة في يونيو 1967 ربما يقرأها شخص بتكنيك يختلف عن الصحاف خفيف الدم في كذبه بطريقة أحمد سعيد المتعاليه و الواثقة المشهورة وفيها هذه التتابعات المدهشة " أسقطنا كذا و كذا طائرة من طائرات العدو.... معارك شرسة تدور في المكان كذا ثم بدون أي معلومات أخرى مقاومة ضارية تبديها قواتنا الباسلة في مكان آخر لم يكن لدينا أي أخبار أنه تحت الهجوم..... وهكذا بينما يصعد الاحباط و اليأس الأسود في النفوس المعذبة بالكذب قواتنا الباسلة تخوض معارك ضارية في رفح ثم في العريش ثم في بور توفيق

لا يوجد شيء يمكن ان يعوضنا نحن شباب مصر المخلصين آنذاك من عذاب الأكاذيب الصارخة و لا من آثار إختزال الوطن في شخص الزعيم البطلالذي يصنع الحقيقه كيفما شاء لنصدم المرة تلو المة بالهوة السحيقة بين الحقائق و الادعاء.

تضخيم هائل لخسائر العدو مع إنكار كامل لتأثير ضربات العدو على القوات المدافعة وتستمر هذه الحلقة المعتادة من البلاغات الوهمية بينما ينبثق الكابوس بالتدريج على النفس من أن هناك شئ بشع يحدث وأن هزيمة مروعة في طور التكوين، دون أن يتاح لنا كمواطنين تعتبرهم السلطة المركزية عيال دون المسئولية أن نعرف ماذا يحدث بالضبط ولو لنجهز أنفسنا في صورة مجموعة لحفظ الأمن والنظام ولضمان سلامة المرافق عند حدوث الانهيار المحتوم القادم.

تختنق الكلمات في نقد أداء وأساليب هذه الحكومات الأتوقراطية التي أوردت الحلم العربي والإسلامي موارد الكارثة والهلاك عندما نرى على الوجه الآخر كم الأكاذيب والادعاءات الوهمية التي تردى فيها الإعلام الغربي وبصفة خاصة الإعلام الأمريكي والبريطاني ، وكأن السلطات في كل مكان قد تعلمت مننا أن تعتبر المواطن مجرد تابع يفعل باسمه كل شئ وأي شئ حتى ولو كان مضاداً تماماً لرغباته العارمة كما شاهدنا بلير وبيرلسكوني واثنار في تحد كامل لما بدا أنه الإرادة الشعبية كما عبر عنها الأسبان والطليان والإنجليز في شوارع عواصمهم الرئيسية.

نعيش في الأكاذيب والأوهام والتكهنات ولا نفيق منها إلا بواقع مر ثم واقع أكثر مرارة يفرض نفسه علينا.

التكهنات كثيرة في كيف سقطت بغداد هذا السقوط المروع وكعادتنا نبحث عن حل مستسهل يساعدنا على الهروب من مواجهة الواقع المرير ولكنني أكرر أن الهزيمة ما هي إلا انعكاس لهزيمة مسبقة للشعب وللجيش ولكافة الأجهزة بواسطة الديكتاتورية وحكم الفرد الذي يختزل الوطن و الشعب باسم أهداف "نبيلة" و يعمل علي تصغير و تجهيل المواطن.

والدرس المستفاد في 2003 كما كان الدرس في 1967 هو أن الديكتاتورية وحكم الفرد يهزمان الشعب ومؤسساته والجيش ومؤسساته قبل أن يهزمهم العدو الخارجي.

فهل نتعلم من 2003 وهل تعلمنا واعتبرنا من 1967 وهل يتسع خيالنا لنرى التوازن والتطابق شبه الكامل بين الحدثين المروعين الذين سحبا ويسحبان من جيلي وأجيال بعدهم الأحلام والتمنيات ؟

بلغنا من بعض الجهات أن الجيش في العراق كما كان في مصر 1967 كان مشلولاً ومفتقد الأوامر ووجد أنه غير قادر على التصرف التلقائي وهذا هو النتاج الطبيعي لتحول الجيش إلى مصدر للسلطات حيث يخشى الحاكم بالطبيعة من إطلاق سراح الوحدات العسكرية في حرية الحركة وفي الدخول إلى العاصمة خوفاً من أن تمارس صلاحيتها الجديدة المعتادة وتقفز على مقعد السلطة.

أي إذا جعل النظام القوات المسلحة و الأجهزة هي المصدر الحقيقي للسلطات فلا بد من آليات جهنمية لتكبيل و تكميم و للتحكم في الشعب و للسيطرة و الحفاظ علي الشعب مجهلا مستأنسا إلي الأبد من أجل الحفاظ علي سلطة هذه الأجهزة الجبارة و الخطرة مالكى القوة الوحيدة في البنيان الإجتماعي. و التاريخ الطبيعي لهذه النظم يشمل مع الوقت تحالف السلطة مع المال –مهما تشدقت هذه النظم بالاشتراكية و العدالة الاجتماعية-كما يشمل عدوان حقيقي ظاهر و مستتر علي التعليم النمائي و الثقافة و تدعيم مباشر و غير مباشر للتعصب الفكري و الديني الذي هو الوجه الآخر لأحادية الرؤيا و ضحالة التعليم و الثقافة التي تمارسها السلطة و أجهزتها و تفرضها بكل ما تملك من قوة.

و الخلاصة انه لا بديل عن تحرير الارادة الشعبية و تمكين الشعب عن طريق إعادة ميلاد مجتمع مدني ينبع من القاعدة و دستور ينبع من قواعد وقيادات غير سلطوية و لكن فكرية و قانونية، و لا بديل عن دستور يخضع جميع الأجهزة لآليات الشفافية و المساءلة و التوازن الضروري بين السلطات.و التغاضي المزمن و التحايل المزمن علي هذه البديهيات في الوطن العربي يهيئنا للمزيد من الترديات و الهزائم و الفرص الضائعة. و كل ما يحدث متجاهلا لما أسلفنا من بديهيات هو كالزبد سينتهي حتما بعد أن يلعب بكل أسف دوره المطلوب في تعطيل التطور و اثارة الضباب علي مسالكه. و يراعي انه ليست كل الهزائم عسكرية في حروب بين الجيوش و لكن هناك هزائم في التعليم و هزائم في البحث العلمي و هزائم في الاقتصاد و هزائم في الثقافة هزائم في القانون و التشريع و هزائم في الاعلام المزور للوعي و نري هذه الهزائم أخطر و أعمق أثرا من الهزائم العسكرية حتي لو أمعنا في الانكار و التمثيل كعادتنا.



طارق علي حسن

About Me

My photo
doctor, teacher at university and musician, composer dramatist committed all my life to health and resolution through expression/communication and the marriage of art and science in the service of that miracle LIFE and that even rarer miracle the conscious HUMAN BEING. DO VISIT MY WEBSITE: www.tarekalihassan.org