كرامة الرئيس
يقال لنا أن كرامة الرئيس وكرامة الجيش لا تسمح بأن يخرج بطل حرب أكتوبر بالإرادة الشعبية. وهنا نقول أن كل العاملين يودون أن يخرج الرئيس حين يخرج عنه الشرعية وحين يفقد التدعيم الشعبي بهذا الزخم الواضح في كل أنحاء الجمهورية بطريقة تحفظ عليه كرامته واحترمه.
وليس صحيحاً أن خروج الرئيس عند حدوث مظاهرات أو ظواهر تؤيد فقدانه للتعضيد الشعبي العام، أو القبول العام هو إهانة للرئيس، بل العكس صحيح، فإن الرئيس الذي يصر على البقاء رغم الرفض الشعبي العارم هو الذي يعرض نفسه وكرامته للنحر والإساءة.
ولنذكر أن شارل ديجول، وهو منقذ فرنسا، والمساهم بفاعلية في تحريرها من الاحتلال النازي، فهو بطل الإنقاذ وبطل التحرير، وهو رئيس الجمهورية الجديدة ومنقذ فرنسا من الانهيار الاقتصادي والمعنوي، صمم على الرحيل حينما قامت مظاهرات ضده عام 1968من بعض الشرائح الطلابية الجامعية، مؤيداً أن كرامته لا تسمح له بالبقاء رئيساً للجمهورية طالما أن الشريحة الطلابية ترفضه، وصمم على انتخابات جديدة كشرط لعودته إلى سدة الحكم.
كما أنه ليس هناك في المنطق المقبول ما يقول لنا أن كرامة الرئيس تنخفض حينما يستجيب للإرادة الشعبية، ويكون الشعب مصدر السلطات، فإذا اتضح أن هناك رفض عارم إلا من مجموعات استثنائية هنا وهناك من الحزب الوطني التي لا يثق بها الشعب، أصبح وجود الرئيس هو الذي يقلل من كرامته وليس العكس، وأصبحت كرامة الجيش وشرفه في الالتزام بالإرادة الشعبية، وهذا يجعله يزداد شرفاً ورفعة ولا ينتقص منه بالمرة.
كما أنه ليس غريباً عند مناظرة التاريخ أن أبطال الأمس قد يتخذون قرارات استراتيجية خاطئة تؤدي إلى فقدان السلطة والشعب، ولا ننسى في فرنسا المارشال بيتان، وهو بطل من أبطال الحرب العالمية الأولى، وبطل الجيش المبجل بالنسبة للشعب الفرنسي، حين اتخذ اتجاه استراتيجي خاطئ عام 1940 بالتهادن مع الألمان حقناً للدماء، وحماية للوطن من الدمار، وجد الشعب مع مرور الأيام ونضوج الفكر أنه اتخذا قراراً استراتيجياً خاطئاً رآه الشعب يرقى إلى الخيانة العظمى، وانتهى الأمر بالإرادة الشعبية تقصي البطل العظيم فارس الجيش وفارس الوطن بل ومحاكمته.
ونكرر أن الالتزام بالإرادة الشعبية، وحقن دماء المواطنين شرفاً لكل ملتزم، وليس العكس أن الرئيس له الأولوية الكبرى.
والرئيس الذي يحبه شعبه حقاً هو الرئيس الذي يحترم مفهوم أن الشعب مصدر السلطات، والذي يقول لنفسه وللعالم بكل فخار أن حقن دماء مواطن مصري واحد أو مواطنة مصرية واحدة لأهم من ألف منصب رئاسي وألف كرسي من كراسي العرش.
ولا نود لحسني مبارك أن نذكر له أن فاروق الملك سلالة محمد على والتي طالما عيروها بأنها انحدرت من أصول أجنبية، أخذ القرار بالانسحاب الكريم العاجل حقناً للدماء، بينما تؤكد مصادر تاريخية أنها كانت له قوات في الحرس الملكي وفي الطيران وفي البحرية بل وفي بعض وحدات الجيش تدين له بالولاء، ولكنه نأى بنفسه عن أن يلقي بالبلاد والجيش في أتون صراع دموي وحروب أهلية.
أ.د/ طارق علي حسن
أستاذ الأمراض الباطنة والغدد الصماء ـ جامعة الأزهر
الرئيس الأسبق للمركز الثقافي القومي (دار الأوبرا)
1 comment:
تحليل منطقي جداً وفيه ربط التاريخ بالواقع.....ياريت شوية من الناس مؤيدي مبارك يقرؤه عشان يفهموا ان الشعوب لأتهين حكامها.....هم الذين يهينون انفسهم بأعمالهم وردود أفعالهم
هالة محرز
Post a Comment