Saturday, February 26, 2011

كرامة الرئيس؟

كرامة الرئيس

يقال لنا أن كرامة الرئيس وكرامة الجيش لا تسمح بأن يخرج بطل حرب أكتوبر بالإرادة الشعبية. وهنا نقول أن كل العاملين يودون أن يخرج الرئيس حين يخرج عنه الشرعية وحين يفقد التدعيم الشعبي بهذا الزخم الواضح في كل أنحاء الجمهورية بطريقة تحفظ عليه كرامته واحترمه.
وليس صحيحاً أن خروج الرئيس عند حدوث مظاهرات أو ظواهر تؤيد فقدانه للتعضيد الشعبي العام، أو القبول العام هو إهانة للرئيس، بل العكس صحيح، فإن الرئيس الذي يصر على البقاء رغم الرفض الشعبي العارم هو الذي يعرض نفسه وكرامته للنحر والإساءة.
ولنذكر أن شارل ديجول، وهو منقذ فرنسا، والمساهم بفاعلية في تحريرها من الاحتلال النازي، فهو بطل الإنقاذ وبطل التحرير، وهو رئيس الجمهورية الجديدة ومنقذ فرنسا من الانهيار الاقتصادي والمعنوي، صمم على الرحيل حينما قامت مظاهرات ضده عام 1968من بعض الشرائح الطلابية الجامعية، مؤيداً أن كرامته لا تسمح له بالبقاء رئيساً للجمهورية طالما أن الشريحة الطلابية ترفضه، وصمم على انتخابات جديدة كشرط لعودته إلى سدة الحكم.
كما أنه ليس هناك في المنطق المقبول ما يقول لنا أن كرامة الرئيس تنخفض حينما يستجيب للإرادة الشعبية، ويكون الشعب مصدر السلطات، فإذا اتضح أن هناك رفض عارم إلا من مجموعات استثنائية هنا وهناك من الحزب الوطني التي لا يثق بها الشعب، أصبح وجود الرئيس هو الذي يقلل من كرامته وليس العكس، وأصبحت كرامة الجيش وشرفه في الالتزام بالإرادة الشعبية، وهذا يجعله يزداد شرفاً ورفعة ولا ينتقص منه بالمرة.
كما أنه ليس غريباً عند مناظرة التاريخ أن أبطال الأمس قد يتخذون قرارات استراتيجية خاطئة تؤدي إلى فقدان السلطة والشعب، ولا ننسى في فرنسا المارشال بيتان، وهو بطل من أبطال الحرب العالمية الأولى، وبطل الجيش المبجل بالنسبة للشعب الفرنسي، حين اتخذ اتجاه استراتيجي خاطئ عام 1940 بالتهادن مع الألمان حقناً للدماء، وحماية للوطن من الدمار، وجد الشعب مع مرور الأيام ونضوج الفكر أنه اتخذا قراراً استراتيجياً خاطئاً رآه الشعب يرقى إلى الخيانة العظمى، وانتهى الأمر بالإرادة الشعبية تقصي البطل العظيم فارس الجيش وفارس الوطن بل ومحاكمته.
ونكرر أن الالتزام بالإرادة الشعبية، وحقن دماء المواطنين شرفاً لكل ملتزم، وليس العكس أن الرئيس له الأولوية الكبرى.
والرئيس الذي يحبه شعبه حقاً هو الرئيس الذي يحترم مفهوم أن الشعب مصدر السلطات، والذي يقول لنفسه وللعالم بكل فخار أن حقن دماء مواطن مصري واحد أو مواطنة مصرية واحدة لأهم من ألف منصب رئاسي وألف كرسي من كراسي العرش.
ولا نود لحسني مبارك أن نذكر له أن فاروق الملك سلالة محمد على والتي طالما عيروها بأنها انحدرت من أصول أجنبية، أخذ القرار بالانسحاب الكريم العاجل حقناً للدماء، بينما تؤكد مصادر تاريخية أنها كانت له قوات في الحرس الملكي وفي الطيران وفي البحرية بل وفي بعض وحدات الجيش تدين له بالولاء، ولكنه نأى بنفسه عن أن يلقي بالبلاد والجيش في أتون صراع دموي وحروب أهلية.
                                                                                                 أ.د/ طارق علي حسن
                                                                        أستاذ الأمراض الباطنة والغدد الصماء ـ جامعة الأزهر
                                                                                     الرئيس الأسبق للمركز الثقافي القومي (دار الأوبرا)

Thursday, February 24, 2011

أين البرادعي؟


أين رجال الساعة الجديرين بالشرعية الجديدة ؟ ومثال عن كيف يتم تشويههم أو احتوائهم؟ أو اخفائهم أو تجاهلهم
في طريق انكار ثورة 25 يناير و شرعيتها  

من طبائع الأمور أنه لكل ثورة ثورة مضادة، تتشكل من أصحاب المصلحة في بقاء النظام السابق، تسعى إلى الالتفاف على الثورة والثوار، والحفاظ على الكيان السابق القائم بطرق مباشرة وعنيفة أحياناً، وهذا واضح في يوم الأربعاء الأسود المسمى بيوم الجمال والحمير والبغال !
ولكن الأخطر من ذلك هو هجوم يوازي هجوم الجمال والبغال والخيول و لكن بالطرق الملتوية والخادعة بل و الغير محسوسة، مع استعمال الدهاء السياسي الذي قد يلتف وينطلي على بعض المخلصين وهم كثيرين و لكن لا يتصورأي إنسان "دوغري" في كل المواقع و أي المواقع بما فيها أعلي المواقع، إلي أي مدي ملتوي و غير مباشر يمكن أن ينحدر إليه أصحاب المصالح في محاولة تقزيم الثورة و اختزالها إلي مجرد "حركة إحتجاج" تم الاستجابة لمطالبها و لم يعد ها داع أو مبرر، وأرى أننا نعيش تتابع محاولة إجهاض الثورة بطرق شديدة الحنكة، وبالتالي شديدة الخطر لأنها ليست بوضوح وفجاجة هجوم الجمال و الخيول.
ومن هذه الطرق، الحملة المنظمة على الدكتور محمد البرادعي، الذي هو من رجال الساعة الطبيعيين، فلو تركنا الحملات المسعورة والمواقف غير الموضوعية، فإنه مما لا يمكن إنكاره أنه له الفضل في تحريك المياه الراكدة، وفي الإعلان بكل شجاعة صادمة أن النظام فاسد من جذوره، وأنه نظام قمعي لا ينتمي للعصر الحديث، وأن الدستور دستور سلطوي لاينتمي إلى العصر الحديث أيضاً، وقام بمبادراته وطلباته العاقلة والشجاعة ملخصة في بنود منطقية و معقولة، وجمع ما يقرب من مليون  توقيع عليها، مع إعلان وتأكيد أنه ليس له مطامع أو طموحات سلطوية أو رئاسية، بل أنه في تعففه عن السياسة والتكالب على المناصب والسلطات لم يتعلم بعد لغة ولا سلوكيات السياسة والسياسيين، مما يأخذه البعض عليه كنقيصة.وأعتبرها أنا دلالة ايجابية وليست نقيصة
قد كنا أصحاب الأحلام بالتغيير من كل الأعمار نبحث عن الرجل الشجاع ذو القيمة والمقام  العالي والعالمي و له خلفية في دراسة القانون العام و الخاص، الرجل ذو الوزن العالمي الثقيل الذي يمكن أن يقول ما نود جميعاً أن نقوله ولكننا نخاف من تركيبة النظام وقتها، وتركيبة قانون الطوارئ المزمن لدينا، ومما رأيناه من ظلم وإيذاء يحدث للعشرات والمئات من خيرة  شباب وقيادات هذا الوطن، لمجرد انحرافهم قيد أنملة عن الخط الذي يرسمه النظام والحزب أو مجرد اشتباه أنهم "معارضة"، وكل هذه كانت دروس علمتنا الخوف والصمت الذي امتد ليشمل حتى الناس الذين في قامة نجيب محفوظ الذي بعد عن الكلام المباشر و اكتفي بالروائع الأدبية التي نقلت للوعي الظلم و القهر والحرمان والقمع و الفساد في اطار أدبي قصصي ابداعي رغم أنه كان من الواضح أنه يعلم و يحس كل ما أعلنه البرادعي و كسر به حائط الخوف الرهيب.
وقد كان د/ البرادعي أول استثناء لهذا الكبت العام الذي نزل على مصر والمصريين، حتي العمالقة منهم، ونزل على القيادات الثقافية والفكرية والسياسية فصمتوا عن الكلام غير المباح، ويظل البرادعي موضوعياً صاحب الفضل كرائد جبهة التغيير والإفاقة وكصاحب الفضل في تحريك المياه الراكدة وكسر حائط "الخط الأحمر".
ونرى أنه لهذه الأسباب والميزات مجتمعة تم إطلاق حملة شعواء ظالمة عليه، حتى أنني مؤخراً عندما اقترحت اسم البرادعي كمرشح لرئاسة الجمهورية  أو لمجلس رئاسي انفجر أغلب الحاضرين محتجين ورافضين باتهامات كلها كاذبة وغير موضوعية. إذا أخذنا بعض هذه الاتهامات المخططة بخبث مثل أنه: لا يعرف شيئاً عن مصروأنه "خواجة"! وقولهم أتوماتيكياً: البرادعي عميل للأمريكان ! مرة أخرى البرادعي عميل لاسرائيل ! ومرة عميل لإيران ! ومرة هو الذي فتح الباب للأمريكان لتدميرالعراق! وهو الذي كان يعمل علي فتح الباب لغزو الأمريكان لإيران! ومرة هو الذي تغاضى عن الترسانة النووية الإسرائيلية! إذا حللنا هذه الإشاعات بموضوعية لوجدنا الدلائل المفحمة علي كذب هذه الادعاءات و أن الحقيقة المدعمة بالوثائق هي العكس تماما. و لكن لا بد من تشويه البرادعي بأي أكاذيب حيث أنه فعلا من الحجم الكبير و الثقيل والصالح، مع من وقفوا معه و هو بلا سلطة إلا سلطة الصدق والاخلاص، ليمثل بدائل حقيقية للنظام فاقد الشرعية و المستفيدين به. والبرادعي الشجاع ومن معه من المخلصين، شركاء حقيقيين في تحريك المياة الراكدة بما أدي إلي تتابع الافاقة الرائع الذي أخذنا مع قوي و ديناميات كثيرة أخري إلي ثورة 25 يناير.
وقد استغرقت كثيراً من الوقت لأوضح للشباب الموجودين في النقاش أن هذه الاتهامات ظالمة وغير حقيقية، ولكني أدركت أثناء هذه التجربة أن التشويه الظالم والمنتشر لشخص د/ محمد البرادعي أصله النظام الخائف على نفسه، وعلى استمراريته الأبدية المخططة، حيث رأى في البرادعي بديلاً حقيقياً وأميناً ومعقولاً له ولو في مرحلة الانتقال إلى تحرير إرادة الشعب وممارسة الشعب للحريات الطبيعية لفترة كافية تسمح له باختيار ممثليه و رئيسه بعد أن يحقق التغيير الذي يتيح له ممارسة الحريات ومن الطبيعي حينئذ أن الشعب يختار البرادعي أو غيره و لكن الحيوي العبور بالشعب المحروم من ممارسة الاختيار أكثر من نصف قرن، إلي برالأمان بضمان قيادات من الوزن الثقيل والعازفون عن الطموحات في نفس الوقت. يعملون عل تفكيك الأجهزة المكونة للنظام فاقد الشرعية و تحقيق الخطوات الحيوية ومنها حرية تكوين الأحزاب و المؤسسات و حرية التعبير والتواصل و الحوار و حرية عرض و تفاعل الآراء والأفكار المتوافقة و المتضادة عبر نسيج يؤمن بالحوار واللاعنف في الطريق إلي انتخابات نزيهة و عادلة تعكس النبض الحي الحديث و المدهش لمصر ما بعد الثورة.
وقد ذهلت يوم 19 فبراير 2011 حينما وجدت د/ عبد المنعم سعيد، الذي كتب في السابق مقالاً يهاجم فيه البرادعي بكل ضراوة، يكتب مقالاً يرشح فيه د/ أحمد زويل، الذي تنطبق عليه- مع كل حبي و تقديري له- الانتقادات التي وجهها هو بنفسه وأشعلها هو والنظام ضد البرادعي في مرحلة مبكرة. و أنا أكن كل الاعجاب للدكتور زويل و الفخر بانجازاته و لكن لا بد من التعجب عندما نواجه هذا الموقف الغير متجانس من البرادعي و زويل الذي يشتمل علي إنكار غير عادل  للبرادعي ودوره الشجاع، وإلغاء مخل لمئات الآلاف من أبناء و بنات مصر، الآلاف التي دعمت و اشتعل خيالها بناءا علي مبادرات وبرنامج البرادعي في الطريق إلي 25 يناير 2011.
وعلى الأقل نشكر د/ عبد المنعم سعيد أنه قدم رأيه هذا في تواضع وعلى استحياء، ونرى في ذلك استمرار مثير للقلق الشديد من المحاولة المستمرة المستميتة لإنكار البرادعي وعزله، وإنكار الانجازات الحقيقية للمجموعة الوطنية للتغيير و الحركات الشجاعة التي إكتسبت شرعية حقيقية والتي شاركت مع البرادعي و قبله، و فيها  مع البرادعي، و متوازيا معه خيارالناس من الكفاءات التي لم  تدور في فلك النظام الذي سقطت شرعيته، ومن طبيعة الأمور أن ننتظر من هذه التجمعات  ومن البرادعي أن يلعبوا دورا هاما في مجلس رئاسي انتقالي و في وزارة جديدة انتقالية --جديدة حقا-- تعمل بنجاح علي مواجهة مخططات الالتفاف حول الثورة واختزالها وإجهاضها واحتوائها والإساءة إليها بأي طريق بما في ذلك النحر في قنوات العلاقة الممتازة بين الثورة و المجلس الأعلى للقوات المسلحة.  
قد تعلمنا من الأحداث منذ 25 يناير أن القوي المضادة للثورة وأجهزتها لا تقف عند حد ولا تتورع عن الكبائر ولا يوجد قاع لما يمكن أن تنحدر إليه. و لعل أكثر ما يغيظ البعض من الدكتور البرادعي هو تعففه عن السلطة وعن التكالب عليها والعمل الدؤوب علي الوصول إليها، وهو ما قد يترجم علي أنه عدم اهتمام و فقر في الحب و الانتماء للشعب الذي يحتاج أمثاله، كما أنه يغيظ إلي درجة الغضب الشديد هؤلاء الذين أفنوا حياتهم يطلبون القرب من الحكام أملا في ميزة أو منصب ضاربين عرض الحائط بكل المبادئ الأساسية و بمصالح الشعب الستراتيجية.
في هذه اللحظات الحرجة التي تتعرض فيها الثورة بطبيعة الحال لمخاطر الإجهاض والتصغير و الإساءة  والاحتواء، فإننا نرى أن البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير لهم دور رئيسي وضروري، وتفعيل هذا الدور سواء بمجلس رئاسي أو بتشكيل حكومة انتقالية من الجمعية الوطنية للتغيير ومن ائتلاف ثورة 25 ينايرمع حركات مارس و أبريل و كفاية،  في تواصل وحوار مستمر وشفاف مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو أفضل ضمان لتتابع الفترة الانتقالية في أمان من الإجهاض أو الالتفاف ولحماية هذا الشعب العظيم من أي تعطيل لمسيرته البديعة التي أعطت الدرس للعالم أجمع وأنارت الطريق في القرن الواحد و العشرين للشعوب، ضحايا النظم القهرية و القمعية في كل مكان، كما أضاء غاندي و الشعب الهندي في القرن العشرين الطريق لكفاح الشعوب ضد الاستعمار الأجنبي بالتوازي مع سعد زغلول و شعب مصر بعد الحرب العالمية الأولي، دون أن يدور في خلد أحد آنذاك  أن الاستعمار العسكري المحلي الوطني بعد الاستقلال قد يكون أقسي و اكثر عصيانا علي العلاج من الاستعمار العسكري الأجنبي.
و في النهاية أذكر بأن مصر تعج بأصحاب الإمكانات و القدرات البديعة الصالحين لتحمل المسئولية في هذه اللحظات شديدة الدقة و يمكنني أن أذكر فورا عشرات الكفاءات من كل الأعمار والخلفيات وكلهم من أعلي المستويات الثقافية و أعلي درجات المصداقية ممن لم يتلوثوا بالدوران في فلك النظام الفاسد والحزب فاقد المشروعية بما في ذلك العشرات من أصحاب المواهب و الثقافة و القدرات ممن تكشفت عنهم أحداث الثورة المدهشة وهم بقوانين العدل أصحاب حق أصيل في المشاركة و في الشرعية الجديدة التي شاركوا في صنعها وضحوا من أجلها.
                                                                                                                                    د/ طارق علي حسن
www.tarekalihassan.org
                                                            
أستاذ الأمراض الباطنة و الغدد بطب الأزهر(بنات)
الرئيس المنشئ للمركز الثقافي القومي –الأوبرا الجديدة
رئيس مجلس إدارة مؤسسة زينب كامل حسن للتنمية البشرية
ت:37491481 محمول 0122101839

About Me

My photo
doctor, teacher at university and musician, composer dramatist committed all my life to health and resolution through expression/communication and the marriage of art and science in the service of that miracle LIFE and that even rarer miracle the conscious HUMAN BEING. DO VISIT MY WEBSITE: www.tarekalihassan.org